الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: تاريخ ابن خلدون المسمى بـ «العبر وديوان المبتدأ والخبر في أيام العرب والعجم والبربر ومن عاصرهم من ذوي السلطان الأكبر» (نسخة منقحة)
.أخبار رافع وملوك الروم. وفي سنة ثلاث وتسعين دخل هرثمة بن أعين سمرقند وملكها وقام بها ومعه طاهر ابن الحسين فاستجاش رافع بالترك فأتوه بهم ثم انصرفوا وضعف أمره وبلغه الحسن سيرة المأمون فطلب الأمان وحضر عند المأمون فأكرمه ثم قدم هرثمة على المأمون فولاه الحرس وأنكر الأمين ذلك كله وفي هذه السنة قتل يقفور ملك الروم في حرب برجان لسبع سنين من ملكه وملك بعده ابنه استبراق وكان جريا فمات لشهرين وملك بعده صهره على أخته ميخاييل بن جرجيس ووثب عليه الروم سنة أربع وتسعين بعد اثنتين من ملكه فهرب وترهب وولوا بعده إليوق القائد..الفتنة بين الأمين والمأمون. ولما قدم الفضل بن الربيع على الأمين ونكث عهد المأمون خشي غائلته فأجمع قطع علائقه من الأمور وأغرى الأمين بخلعه والبيعة للعهد لابنه موسى ووافقه في ذلك علي بن عيسى بن ماهان والسندي وغيرهما ممن يخشى المأمون وخالفهم خزيمة بن خازم وأخوه عبد الله وناشدوا الأمين في الكف عن ذلك وأن لا يحمل الناس على نكث العهود فيطرقهم لنكث عهده ولج الأمين في ذلك وبلغه أن المأمون عزل العباس بن عبد الله بن مالك عن الري وأنه ولى هرثمة بن أعين على الحرس وأن رافع بن الليث أستأمن له فآمنه وسار في جملته فكتب إلى العمال بالدعاء لموسى ابنه بعد الدعاء للمأمون والمؤتمن فبلغ ذلك المأمون فأسقط اسم الأمين من الطرد وقطع البريد عنه وأرسل الأمين إليه العباس بن موسى بن عيسى وخاله عيسى بن جعفر بن المنصور وصالحا الموصل ومحمد بن عيسى بن نهيك يطلب منه تقديم ابنه موسى عليه في العهد ويستقدمه فلما قدموا على المأمون استشار كبراء خراسان فقالوا: إنما بيعتنا لك على أن لا تخرج من خراسان فأحضر الوفد وأعلمهم بامتناعه مما جاؤا فيه واستعمل الفضل بن سهل العباس بن موسى ليكون عينا لهم عند الأمين ففعل وكانت كتبه تأتيهم بالأخبار ولما رجع الوفد عاودوه بطلب بعض كور خراسان وأن يكون له بخراسان صاحب بريد يكاتبه فامتنع المأمون من ذلك وأوعد إلى قعوده بالري ونواحيها يضبط الطرق وينقذها من غوائل الكتب والعيون وهو مع ذلك يتخوف عاقبة الخلاف وكان خاقان ملك التبت قد التوى عليه وجيفونة فارق الطاعة وملوك الترك منعوا الضريبة فخشي المأمون ذلك وحفظ عليه الأمر بأن يولى خاقان وجيفونة بلادهما ويوادع ملك كابل ويترك الضربية لملوك الترك الآخرين وقال له بعد ذلك ثم أضرب الخيل بالخيل والرجال بالرجال فإن ظفرت وإلا لحقت بخاقان مستجيرا فقبل إشارته وفعلها وكتب إلى الأمين يخادعه بأنه عامله على هذا الثغر الذي أمره الرشيد بلزومه وأن مقامه به أشد غناء ويطلب إعفاء من الشخوص إليه فعلم الأمين أنه لا يتابعه على مراده فخلعه وبايع لولده في أوئل سنة خمس وتسعين وسماه الناطق بالحق وقطع ذكر المأمون والمؤتمن من المنابر وجعل ولده موسى في حجر علي بن عيسى وعلى شرطته محمد بن عيسى بن نهيك وعلى حرسه أخوه عيسى وعلى رسائله صاحب القتلى وكان يدعى له على المنابر ولابنه الآخر عبد الله ولقبه القائم بالحق وأرسل إلى الكعبة من جاء بكتابي العهد للأمين والمأمون اللذين وضعهما الرشيد هنالك وسارت الكتب من ذلك إلى المأمون ببغداد من عيونه بها فقال المأمون: هذه أمور أخبر الرائي عنها وكفاني أنا أن أكون مع الحق وبعث الفضل بن سهل إلى جند الري بالأقوات والإحسان وجمع إليهم من كان بأطرافهم ثم بعث على الري طاهر بن الحسين بن مصعب بن زريق أسعد الخزاعي أبا العباس أميرا وضم إليه القواد والأجناد فنزلها ووضع المسالح والمراصد وبعث الأمين عصمة بن حماد بن سالم إلى همذان في ألف رجل وأمره أن يقيم بهمذان ويبعث مقدمته إلى ساوة..خروج ابن ماهان لحرب طاهر ومقتله. ثم جهز الأمين علي بن ماهان إلى خراسان لحرب المأمون يقال دس بذلك الفضل ابن سهل العين له عند الفضل بن الربيع فأشار به عليهم لما في نفوس أهل خراسان من النفرة عن ابن ماهان فجدوا في حربه ويقال حرض أهل خراسان على الكتب إلى ابن ماهان ومخادعته إن جاء فأمره الأمين بالمسير وأقطعه نهاوند وهمذان وقم وأصبهان وسائر كور الجبل حربا وخراجا وحكمه في الخزائن وأعطاه الأموال وجهز معه خمسين ألف فارس وكتب إلى أبي دلف القاسم بن عيسى بن إدريس العجلي وهلال بن عبد الله الحضرمي في الإنضمام وركب إلى باب زبيدة ليودعها فأوصته بالمأمون بغاية ما يكون أن يوصى به وأنه بمنزلة ابنها في الشفقة والموصلة وناولته قيدا من فضة وقالت له: إن سار إليك فقيده به مع المبالغة في البرد والأدب معه ثم سار علي بن عيسى من بغداد في شعبان وركب الأمين يشيعه في القواد والجنود ولم ير عسكر مثل عسكره ولقي السفر بالسابلة فأخبروه أن طاهرا بالري يعرض أصحابه وهو مستعد للقتال وكتب إلى ملوك الديلم وطبرستان يعدهم ويمنيهم وأهدى لهم التيجان والأسورة على أن يقطعوا الطريق عن خراسان فأجابوا ونزل أول بلاد الري فأشار عليه أصحابه باذكاء العيون والطلائع والتحصن بالخندق فقال: مثل طاهر لا يستعد له وهو إما أن يتحصن بالري فيثب إليه أهلها وإما أن يفر إذا قربت منه خيلنا ولما كان من الري على عشرة فراسخ استشار أصحاب طاهر في لقائه فمالوا إلى التحصن بالري فقال: أخاف أن يثب بنا أهلها وخرج فعسكر على خمسة فراسخ منها في أقل من أربعة آلاف فارس وأشار عليه أحمد بن هشام كبير جند خراسان أن ينادي بخلع الأمين وبيعة المأمون لئلا يخادعه علي بن عيسى بطاعة الأمين وأنه عامله ففعل وقال علي لأصحابه بادروهم فإنهم قليل ولا يصبرون على حد السيوف وطعن الرماح وأحكم تعبية جنده وقدم بين يديه عشر رايات مع كل راية ألف رجل وبين كل رايتين غلوة سهم ليقتاتلوا نوبا وعبى طاهر أصحابه كراديس وحرضهم وأوصاهم وهرب من أصحابه طاهر جماعة فجلدهم علي وأهانهم فأقصر الباقون وجدوا في قتاله وأشار أحمد بن هشام على طاهر بأن يرفع كتاب البيعة على رمح ويذكر علي بن عيسى بها نكثه ثم اشتد القتال وحملت ميمنة علي فانهزمت ميسرة طاهر وكذلك ميسرته على ميمنة طاهر فأزالوها واعتمد طاهر القلب فهزموهم ورجعت المجنبتان منهزمة وانتهت الهزيمة إلى علي وهو ينادي بأصحابه فرماه رجل من أصحابه طاهر بسهم فقتله وجاء برأسه إلى طاهر وحمل شلوه على خشبة وألقي في بئر بأمر طاهر واعتق طاهر جميع غلمانه شكرا لله وتمت الهزيمة واتبعهم أصحاب طاهر فرسخين واقفوهم فيها اثنتين عشرة مرة يقتلونهم في كلها ويأسرونهم حتى جن الليل بينهم ورجع طاهر إلى الري وكتب إلى الفضل: كتابي إلى أمير المؤمنين ورأس علي بين يدي وخاتمه في إصبعي وجنده متصرفون تحت أمري والسلام وورد الكتاب على البريد في ثلاثة أيام فدخل الفضل على المأمون وهنأه بالفتح ودخل الناس فسلموا عليه بالخلافة ووصل رأس علي بعدها بيومين وطيف به خراسان ووصل الخبر إلى الأمين بمقتل علي هزيمة العسكر فأحضر الفضل بن الربيع وكيل المأمون ببغداد وهو نوفل الخادم فقبض ما بيده من ضياعه وغلاته وخمسين ألف ألف درهم كان الرشيد وصاه بها وندم الأمين على فعله وسعت الجند والقواد في طلب الأرزاق فهم عبد الله بن حاتم بقتالهم فمنعه الأمين وفرق فيهم أموالا.
|